حُلم وَ طِفلة .!
كـ ملايين البشر قصّتي ، ولكنها مختلِفة بأقدارها التي دومًا ما تُرغمني على تغيير المسار والحمدلله أنّ المسارات دائمًا إلى الأفضل .
بدأت تلك الحكاية عند ولادتي في منتصف اكتوبر ، كُنت الفتاة بعد ثلاثة ذكور ، كانت الفرحة مُغايرة ، وهبَت قدومي رونقًا خاصًا بات واضِحًا في عيني والداي - كما أخبراني -
عشتُ طفولةً حافلة بالمُغريات ، كُنتُ الطفلة المُدلّلة لوالديها ولوالديها فقط ، لم يُرد لي طلبًا أو أُمنع عن ما أريد ، ذلك الحُب و الدلال لم يمنع الأقدار من أن تخطِي خُطاها نحوي ،
قدِمَت إليّ في طفولتي المدلّلة وقلبت تلك الطفولة إلى حياة تائهة بين المستشفيات ومراكز التأهيل والحياة الطبية ، لم تكترث اقداري بقلبيّ والداي ، لم تكُن لتمنحني حياةً افضل لو علمت بألمٍ يعتصرهما لم تُرد منحهما الفُرصة للإختيار ،
كانت قاسية إلى حدٍ ما - كما رأيتها آنذاك - ، ذلك المُنعطف القدري الذي احدث ضجّةً داخلية فيني وهدوءً ظاهرياً منحني إيّاهـ العزيز الحكيم لم يكُن مُجرّد حادثة أو موقف وسينتهي ، بل كان قلبًا جذريًا لـ حياتي ، افكاري ، طموحاتي ، آلامي ، مبادئي وكل ما يحتويني وأحتويه قلبًا وقالبًا ، كان منبهًا لقلبي الصغير بأنّ الحياة ليست كما أراها كـ طفلة بل الحياة أعمق بكثير وأغنى بكثير وأكثر بكثير من مُجرّد حياة ، الحياة تعني العطاء وحُب الآخرين كما الذات ، فمن دون عطائنا لمن نُحب لا نحيا بطمأنينة ، هذا الدرس الأوّل في ذلك المُنعطف .
أتممتُ الكثير من الوقت في تلك الحياة الطبية المتأرجحة بين تأييد وتثبيط ، جلتُ العالم بحثًا عن تغيير لذلك المسار القدري الذي رأيتهُ حينها عائقًا وهُو والله لم يكُن سوى دافعًا ومنقذًا ، جُلّ ماكان يؤلمني آلام والداي من آلامي ، لم أود أن تكُون طفلتهما المُدللة مصدرًا لآلمهما ، كُنتُ أظن أن ذلك المسار نقمة لابد من نبذها ومن هذا المُنطلق بحثتُ عن كُل علاجٍ ظننتُ أنه سيُغيّر ذلك المسار أو مايجب أن نناديه ( المرض ) ، أيقنتُ بعد بحثٍ متفرق أنه لا مفر من كوني من ( ذوي القدرات الخاصة ) ، كانت الفوضى التي أصابتني بعد يقيني بوضعي داخلية وهذا من فضل الله ، ربما لأنني لم أُرِد أن تنتقل تلك الفوضى لوالداي ، فوضىً أصابتني بالتشتت ، فلم أعُد أعلم كيف سأعيش أو كيف سأتعلّم أو كيف سأتأقلم مع وضعي الجديد ، كان التفكير مُنهكًا لدرجة أنني كُنتُ أحاول جاهدة أن أهرب منه ، وبتشجيعٍ ظاهري من والداي وبالرغم من أنني كُنتُ جيدة في قراءة ذلك الألم الذي يفيض من عيناهما ، أتممتُ دراستي الثانوية ، قرّرتُ الخوض في مجال الدراسة الجامعية إثباتًا مني لنفسي بأنني لستُ عاجزة أو ( معاقة ) إجتهدتُ في ذلك حتى وصلتُ بفضل من الله ثم والداي وأسرتي إلى السنة الثانية في ( التربية الخاصة ) ، لم يكُن الإختيار عشوائيًا بل كان لقوة خفية في داخلي تدفعني لهؤلاء البشر الذين يملكون من القدرات والمواهب مالا يملكه غيرهم من الأصحاء ، قدرة ذوي القدرات الخاصة على العطاء والشعور بالحياة والأمل والتفاؤل والتحليق بالأحلام والطموح عالياً لا تقتصر على ذويهم فقط بل تمتد إلى مجتمعاتهم التي للأسف في بلادنا العربية لا توليهم الإهتمام المرجولأنها لاتُدرك قيمتهم كما المجتمعات الغربية التي أعطتهم جُلّ إهتمامها وإحترمت حقوقهم ووفّرت مستلزماتهم ، فالإعاقة والمرض عطاءً لاينضب ومعلمٌ لا يمُل من تربية طلابه على العطاء والأمل وإيثار المجتمع الذي لا يستحق غالبًا
وبالرغم من هذا ..
ماتزال رغبتي جامحة في تحقيق ما أرغب به كفرد من ( ذوي القدرات الخاصة ) ومايرغب به كل فرد ينتمي إلى ( ذوي القدرات الخاصة ) ..
ماتزال رغبتي جامحة في توعية مجتمعي والرُقي به نحو احترام هؤلاء المُنجزين وتشجيعهم ودعمهم والرُقي بهم إلى اعلى المستويات ..
ماتزال رغبتي جامحة في تغيير مفهوم النقص الذي يُلازم ( ذوي القدرات الخاصة ) وتحويلهُ إلى مفهوم لـ القوة والكمال والأمل ..
ماتزال رغبتي جامحة في إبراز مواهب ( ذوي القدرات الخاصة ) وإحيائها والوصول بها إلى اعلى درجات الإحترافية ..
ماتزال رغبتي جامحة في تغيير نظرة الشفقة والعطف التي تُوجّه لـ ( ذوي القدرات الخاصة ) إلى نظرة إفتخار وعزم وحُب ..
كثيرةٌ هي حاجات ذوي الإحتياجات الخاصة التي تنقصهم ، ولكن بإذن الله ستتوفّر إذا كانت الأيادي عاملة سويًا .
شُكرًا للقراءة ..
اضافة تعليق